
5 استراتيجيات أساسية في العلاج السلوكي المعرفي يستخدمها أخصائيو تحليل السلوك التطبيقي لتغيير الحياة
ترجمة: أ. شروق السبيعي
يتمتع الدماغ البشري بقدرة فائقة على التكيف والتعلم في مختلف المواقف. لكن هذه المرونة تحمل جانبًا سلبيًا، إذ يمكن لأنماط التفكير السلبية أن تتجذر بسرعة مماثلة للأفكار الإيجابية. وعندما تؤثر الأحداث الصعبة مثل الأحداث الصادمة أو الأمراض النفسية، أو الإدمان على طريقة التفكير، قد تبدو كل تجربةٍ كابوسًا مُنتظرًا.
في مثل هذه الحالات، يُعدّ العلاج السلوكي المعرفي (CBT) وسيلة فعّالة. يركّز هذا النوع من العلاج الكلامي على مساعدة الأفراد في استبدال أنماط التفكير السلبية بأخرى أكثر إيجابية وفعالية. ولا يقتصر دور المختصين على إرشاد الأفراد لحلّ مشاكلهم، بل يشمل أيضًا تمكينهم من اكتشاف وتطوير حلولهم الخاصة.
ورغم أن هذه العملية قد تختلف قليلًا من فرد لآخر، فإن الأخصائيين المدرّبين تدريبًا جيدًا يمتلكون مجموعة واسعة من استراتيجيات العلاج السلوكي المعرفي. وفيما يلي خمس استراتيجيات شائعة يستخدمها الأخصائيون في معظم مجالات تحليل السلوك التطبيقي لمساعدة الأفراد على فهم عالمهم النفسي المعقّد.
الاستراتيجية الأولى: تدوين الأفكار والمشاعر
لمواجهة الأفكار السلبية، تكون الخطوة الأولى غالبًا هي تدوين مخاوف الأفراد في دفتر تسجيل الأفكار. في البداية، يقوم الأفراد بتوثيق الأوقات التي تظهر فيها هذه الأفكار أو المواقف التي تحفزها، بالإضافة إلى تسجيل ردود أفعالهم التلقائية وأنماط تفكيرهم. فيما بعد، يشجع الأخصائيون الأفراد على متابعة وتسجيل وتقييم مدى نجاح الاستراتيجيات التي استخدموها للتعامل مع أفكارهم و مشاعرهم السلبية منذ آخر جلسة علاجية، بهدف تحديد الاستراتيجيات الفعّالة وما يحتاج منها إلى تعديل أو تحسين.
تُعدّ ممارسة الكتابة اليومية لتحليل أنماط التفكير من أبسط استراتيجيات العلاج السلوكي المعرفي، مما يجعلها أداة مفيدة لشريحة واسعة من الناس. وبالإضافة إلى فائدتها العامة، تشير دراسة نُشرت عام 2018 في مجلة أبحاث الإنترنت الطبية إلى أن تدوين اليوميات المُركّز على المشاعر يرتبط بانخفاض أعراض الاكتئاب والقلق بعد شهر واحد، وتحسّن القدرة على التكيّف بعد الشهرين الأول والثاني، مقارنةً بالرعاية المعتادة.
لنأخذ مثالًا لفرد تم تشخيصه باضطراب هلع شديد، حيث يعاني من نوبات متكررة تبدو وكأنها تحدث بشكل عشوائي. من خلال تدوين يومياته، يمكنه التعرف على المحفزات الشائعة والتعاون مع أخصائي نفسي لوضع استراتيجيات فعّالة للتعامل معها. وعلى المدى الطويل، قد يساعده الرجوع إلى هذا السجل، بما يتضمنه من تجارب سابقة في استخدام آليات التكيف، على تعزيز قدرته في مواجهة المواقف المستقبلية.
إن فهم الاستجابات التلقائية للدماغ للأحداث المحفزة يشكل عنصرا أساسيا لنجاح العلاج السلوكي المعرفي.
الاستراتيجية الثانية: الاكتشاف الموجه
الاكتشاف الموجّه هو استراتيجية فعّالة تعتمد بدرجة كبيرة على مشاركة الأفراد. ومن خلال طرح أسئلة مفتوحة، يشجع الأخصائيون الأفراد على التفكير في أنماط تفكيرهم وكيف تؤثر في حياتهم اليومية. وعندما يدرك الأفراد آلية تفكيرهم، يصبح بإمكانهم إحداث تحوّلات إيجابية في طريقة تفكيرهم.
يُعدّ هذا النوع من الحوار مفيدًا في العلاج السلوكي المعرفي، خصوصًا في معالجة الصدمات النفسية، واضطراب ما بعد الصدمة، والرهاب، وغيرها من مشكلات الصحة النفسية المرتبطة بأحداث الماضي. ومع ذلك، وكما هو الحال مع تدوين اليوميات، يمكن الاستفادة منه لعلاج مجموعة واسعة من الاضطرابات.
على سبيل المثال، قد يتم تشخيص الأفراد الذين عانوا من أمراض حرجة باضطراب ما بعد الصدمة أو بقلق شديد الحدة عند تكرار المرض أو زيارة الطبيب. وفي ورقة بحثية نُشرت عبر مطبعة جامعة كامبريدج، وصف الباحثون كيف يمكن أن يُسهم الاكتشاف الموجّه، إلى جانب المشورة الطبية، في مساعدة الأفراد على إدراك أن احتمالية تكرار المرض غالبًا ما تكون أقل مما يتصورون.
يمكن أن يساعد ذلك الأفراد على التخفيف من أعراض الفحص القهري، ومنعهم من اتخاذ احتياطات غير ضرورية تُعيق حياتهم. ومن خلال الاكتشاف الموجّه، يمكنهم إدراك أن هذه السلوكيات تنبع من الخوف، لا من الواقع.
الاستراتيجية الثالثة: إعادة تنظيم التفكير
غالبًا ما تصبح أنماط التفكير السلبية مترسخة في أذهان الأفراد إلى حدّ أنها تتحول إلى عادة يصعب كسرها. ولاستبدال هذه الأنماط بأخرى أكثر صحة، يقوم أخصائيو العلاج السلوكي المعرفي بمرافقة الأفراد في عملية منظمة ومدروسة لإعادة تنظيم أفكارهم، تُعرف بإعادة الهيكلة المعرفية أو إعادة التأطير.
وعلى الرغم من أن العملية قد تبدو مختلفة بالنسبة لكل فرد، تقدم جمعية علم النفس الأمريكية إطارًا مكوّنًا من خمس خطوات لإعادة تنظيم التفكير:
- حددوا المواقف المزعجة.
- استخرجوا أقوى المشاعر التي تثيرها تلك المواقف (كالخوف، الحزن، الغضب، وغيرها).
- قوموا بطرح أسئلة تتعلق بالأفكار التي تسبب تلك المشاعر. على سبيل المثال، إذا شعرتم بالقلق، قد تسألون أنفسكم عن نوع الخطر الذي تتوقعونه.
- قيّموا هذه الأفكار و قوموا بتحليلها. هل توجد أدلّة حقيقية تدعم هذه الأفكار السلبية؟، هل يمكن التفكير في الموقف بطريقة مختلفة؟
- قوموا باتخاذ قرار موضوعي حول صحة الأفكار. إذا تبين أنها غير صحيحة، هل يمكن الاستبدال بأفكار إيجابية جديدة؟ وإذا كانت الأفكار السلبية صحيحة، فما هو الإجراء الأمثل الذي ينبغي اتخاذه؟
في النهاية، الهدف هو أن يتمكن الأفراد من تطبيق ذلك بأنفسهم في حياتهم اليومية. ومع ذلك، وكما هو الحال في التدريب البدني، فإن إعادة تنظيم التفكير يحتاج إلى ممارسة مستمرة وتوجيه دقيق. وينطبق ذلك بشكل خاص على الأفراد الذين باتت أنماط تفكيرهم السلبية جزءًا لا يتجزأ من هويتهم.
على سبيل المثال، قد يواجه الفرد المشخص باضطراب في الأكل صعوبة تتمثل في الإفراط أو التقيد الشديد بتناول الطعام، أو حتى التقيؤ، وذلك استجابةً لمشاعر الخجل وكراهية الذات. في هذا الإطار، فإن تعلم تناول الطعام بناءً على الإشارات الجسدية مثل الجوع أو الشبع يتطلب إعادة برمجة الدماغ لتجاوز هذه المشاعر السلبية بشكل كامل. وتُعد هذه العملية معقدة، إذ تتطلب، كما هو الحال مع غيرها من استراتيجيات العلاج السلوكي المعرفي، ممارسة التأمل وإجراء حوارات مفتوحة مع أخصائي نفسي.
الاستراتيجية الرابعة: اليقظة الذهنية والاسترخاء الجسدي
يمكن أن يشكل التفكير السلبي صراعًا نفسيًا وجسديًا في آن واحد. أثناء نوبات الهلع أو القلق، يرسل الدماغ إشارات إلى الجسم تفيد بأن وقت القتال أو الهروب قد حان، مما يؤدي إلى تباطؤ عملية الهضم، وخدر في الأطراف، وتسارع نبضات القلب، وصعوبة في التنفس. و للتعامل مع هذه الدوامة من التوتر الجسدي والمعاناة النفسية، يساعد الأخصائيون عادة الأفراد على استخدام مجموعة من استراتيجيات اليقظة الذهنية والاسترخاء الجسدي.
تتضمن بعض استراتيجيات اليقظة الذهنية والاسترخاء الجسدي الأكثر شيوعًا التي يُروج لها في العلاج السلوكي المعرفي ما يلي:
- تمارين التنفس. التركيز على التنفس يُشتت الذهن عن الأفكار السلبية ويُرخي الجهاز العصبي المركزي.
- في العلاج السلوكي المعرفي لإدارة الغضب، يتيح العدّ حتى رقم محدد للأفراد فرصة التفكير قبل القيام بأي تصرف، مما يساعد على تهدئة مشاعر الغضب.
- الاسترخاء العضلي التدريجي (PMR). هي استراتيجية يقوم فيها الأفراد بشدّ وإرخاء مجموعات عضلية محددة (مثل الذراعين، الساقين، وعضلات الوجه) خلال فترة زمنية تتراوح بين خمس وعشر ثوانٍ. تساعد هذه الاستراتيجية الأفراد على التركيز على الإشارات التي يرسلها الدماغ إلى أجسامهم، والاستجابة لها، مما يساهم في تحرير الطاقة العصبية بشكل فعّال.
- الاسترخاء التلقائي. هو شكل من أشكال الاسترخاء ينبع من الداخل. يمكن للأفراد أن يتخيلون صورة هادئة أو يكررون عبارات مهدئة ومؤكدة للذات. وغالبًا ما يتم تطبيق الاسترخاء التلقائي جنبًا إلى جنب مع تمارين التنفس أو استراتيجيات الاسترخاء العضلي التدريجي.
- الاسترخاء من خلال الهوايات. في بعض الأحيان، يمكن معالجة التوتر بشكل مسبق ووقائي. من خلال التأمل، أو ممارسة اليوغا، أو الرسم، أو الاستماع إلى الموسيقى، يمكن للأفراد أن يشعروا بلحظة من السكينة الداخلية تبقى معهم طوال اليوم.
رغم أن هذه الاستراتيجيات تُستخدم غالبًا لدعم الأفراد الذين يعانون من مشاكل متعلقة بالتوتر، إلا أنها تُعدّ أيضًا من الاستراتيجيات الفعّالة في إطار العلاج السلوكي المعرفي لعلاج الإدمان. أظهر تحليل شمل 37 دراسة علاجية أن الأفراد الذين خضعوا لعلاج يركز على اليقظة الذهنية كانوا غالبًا أقل رغبة للتعاطي مقارنةً بأولئك الذين شاركوا في برامج علاجية أخرى.
الاستراتيجية الخامسة: التعرّض
في وسائل الإعلام الشعبية، يُصوَّر العلاج بالتعرّض غالبًا على أنه قاسٍ، مفاجئ، وشديد الوحشية. إلا أنه عند تطبيقه بواسطة متخصص في بيئة سريرية، يتحول إلى عملية آمنة ومدروسة تساعد الأفراد على التغلب على الخوف، واضطراب ما بعد الصدمة، والرهاب.
على سبيل المثال، لا يبدأ الأخصائيون عادةً العلاج بالتعرض بوضع أفراد يعانون من فوبيا المرتفعات على حافة جرف. بل يبدؤون غالبًا بمساعدتهم على فهم أفكارهم المرتبطة بالمرتفعات وتحليلها.
بعد ذلك، قد يلجأ الأخصائيين إلى العلاج التخيلي، حيث يُطلب من الأفراد تخيل أنفسهم وهم يقفون على قمة مبنى. كما يمكن، في طريقة حديثة ومبتكرة، أن يستخدم الأفراد سماعات الواقع الافتراضي ليخضعوا للتعرض دون التعرض الفعلي لمواقف صادمة. وتُعتبر مواجهة الخوف بشكل مباشر، والمعروفة باسم ‘التعرض الحيوي’، من الطرق الفعالة، ولكن ينبغي تطبيقها بحذر شديد وبموافقة تامة.
تتمثل الأهداف الرئيسية للعلاج بالتعرّض عادةً في توقف التفكير السلبي، وتقليل الاستجابات الناتجة عن التوتر، وتمكين الأفراد من إدراك إمكانياتهم في التعامل مع مخاوفهم باستخدام استراتيجيات تكيف متنوعة. وبناءً على ذلك، يمكن أن يكون العلاج بالتعرّض فعالًا أيضًا في مساعدة الأفراد المشخصين باضطراب الوسواس القهري (OCD) على تجاوز خوفهم من عدم إتمام المهام المتكررة.
المرجع:
5 Crucial Cognitive Behavioral Therapy Techniques ABA Professionals Use To Change Lives